29 يناير، 2010

صدمات


الأخبار أنواع ..
خبر يفرحك وهذا صار نادرا ما اجده الآن
خبر يحزنك وما أكثرهم حتى يكاد المرء يظن
انه ليس عليه ان يتوقع إلا السوء
وهناك نوع ثالث..ذلك النوع الذي لا احبه نهائيا
وهو خبر يصدمك.. ذلك الخبر الذي يقلب الموازين
الخبر الذي يخالف كل ما تعتقد فيه وما تؤمن به
يخالف المبادئ التي تؤمن بأن ما تتميز به من
الوضوح يجعل من الصعب الا يراها احد
وما تتميز به من القوة والحق يجعل من الغريب
ألا يؤمن بها أحد
وقد يظن احد اني بهذا مع التعنت فيما يراه المرء
وضد الاختلاف لكني اقصد هنا المبادئ الثابتة
المتفق عليها من قديم الزمان المبادئ التي ترسخها
الأديان وليس الآراء التي يمكن الاختلاف عليها
فأنا على سبيل المثال أؤمن بأن أي انسان من حقوقه
الراسخة ان يتمكن من التعبير عن رأيه حتى لو
اختلف عن الأغلبية ومن حقه الاحتجاج على ما يراه
غير صحيح ومادام في احتجاجه لا يضر احدا
ولا يجور على أحد
وبالطبع انا اعرف ان هذا لا يعجب البعض وان في
كثير من الأماكن يتم حرمان الناس من هذا الحق
ولكن أن يدفع الإنسان حياته ثمنا لمحاولته ممارسة
حقه ..أن يتم قتله عقابا له فهذا الذي مازال يصدمني
واراه مهزلة سخيفة.. وهذا ما حدث لي وأنا أقرأ
خبر اعدام شخصين والحكم باعدام تسعة آخرين
ممن شاركوا في مظاهرات الاحتجاج التي اندلعت
في إيران يونية الماضي ضد إعادة انتخاب الرئيس نجاد
فهل الأمر فعلا يستحق عقوبة مثل هذه
لقد بررت السلطات التي أخذت القرار ذلك بأن المحكوم
عليهم بالاعدام هم "أعداء الله" فلهذا الحد يتم التلاعب
بالكلمات واستخدام تلك التيمة الدينية التي غرضها
اسكات الأفواه فالأمر اكبر من البشر
(هذا على أساس انهم ضامنين ومتأكدين أن الله
يساندهم وبالتالي من يعارضهم ويعاديهم فهو عدو الله)
ومزيد من الصدمات تأتي مع دعوة الرئيس الأفغاني
لطالبان إلى فتح حوار..
الصدمة والاستغراب الذي قلب معي إلى كريزة من
الضحك جاء أكثر من الكلمات: "إلى اخوتي"..
"إلى طالبان المعتدلين وليسوا الارهابيين" ..
غريبة حقا..ألم يكن حتى أمس يتم اعتبار كل من
ينتمي إلى طالبان هو ارهابي عتيد في الاجرام
يستحق الموت كالكلاب..
كنت من السذاجة حين ظننت ان الغرب لن يعجبه الكلام..
ونسيت ان الكلمات تأتي منهم أولا وليس على الشفاه
سوى أن ترددها في استكانة..فقد سارعت امريكا
وبريطانيا تؤمن على دعوة كرزاي ..
فما كان إذاً مبرر الحشود المحتشدة والعمليات واسعة
النطاق والالاف من القتلى المدنيين الذين يجب ان يتم
غض البصر عنهم في سبيل أسمى وهو القضاء
على الارهابيين المجرمين ..
إذا كان هناك طالبان معتدلين وإذا كان يمكن الحوار
معهم والوصول إلى حل لحقن الدماء فأين كان هذا!
سؤال بالطبع يبدو أيضاً شديد السذاجة
يبدو انني سأظل هكذا أشعر بالصدمة
واغرق في اسئلتي الساذجة

20 يناير، 2010

الحمد لله






أمنية
"أحذر أمانيك فقد تتحقق يوما ما"
مقولة دائما ما تخيفني..ودائما ما تتحقق معي
لذلك أحاول دائما أن آخذ حذري من جنون الأماني ولعنتها
ولكن ما الذي جاء بتلك الأمنية الغريبة التي طافت بخاطري
منذ فترة.. تمنيت خير اللهم اجعله خير أن آخذ أجازه
يومين أو حتى يوم واحد أقضيها في لا شيء..
أي أن تكون اجازة للراحة فقط لا أقوم فيها بعمل أي شيء..
أهرب من الأعباء و افر من كل المسئوليات
قد يستغرب البعض كلامي فالاجازة بالنسبة للكثيرين
هي كذلك بالفعل ..يوم للراحة والاستجمام أو حتى
للفسحة والتنزه
لكني في الحقيقة لا اعرف هذا النوع من الاجازات..
فالاجازة الأسبوعية أو أي اجازة آخذها اقضيها دائماً في
القيام بأعمال المنزل التي تبتلع الوقت كله فأظل أدور حول
نفسي ثم تتركني في نهاية اليوم منهكة لا أقوى على فعل
أي شيء..
لكني تعودت على ذلك ..فلماذا كانت تلك الأمنية التي طافت
بخاطري لدقائق معدودة وتحققت أخيراً بمنتهى القسوة!
فقد وجدتني فجأة في أجازة إجبارية من العمل.
.
ممنوعة من القيام بأي شيء في المنزل..لأنني ببساطة
كنت طريحة الفراش ..هاجمني المرض الذي ظهرت
أعراضه فجأة بدون سابق إنذار وكانت من الشراسة
ما جعلتني منهكة تماماً اعجز حتى عن النهوض من
الفراش وغير قادرة حتى على أن أعطى نفسي الدواء
إنها الأنفلونزا التي بمجرد أن علم زملائي في العمل أمرها
أصابهم الهلع مع أخبار المرضى والموتى التي تتواتر إلى
أسماعهم كل يوم فطلبوا مني عدم الحضور بل أظنه كان أمرا..
على أية حال أنا لم أكن أقوى على الذهاب فقد كان دورا
شديدا جدا لم أصاب بمثله قط..
وهكذا قضيت فترة ليست بقصيرة في الفراش لأول مرة
منذ فترة طويلة ..لكن كما قلت عن عجز وليس عن كسل
وبحث عن الراحة
كم كان هذا ثقيلا على نفسي
كم هو مضني أن تشعر بأنك عبأ ثقيل على الآخرين..
إنك كم مهمل لا نفع فيه
لتنكشف حقيقتك..حقيقة الإنسان الواهنة..الإنسان الذي يقف
بخيلائه واستعلائه عاجزا أمام بعوضة صغيرة أو فيروس
متناهي متناهي الصغر لكن بوسعه أن يقضي على أقوى الرجال..
فيتضخم إحساسك بالعجز وتشم رائحة النهاية فتكون هي الأمنية
الأقرب لتقضي على ذلك الشعور القاسي بالمذلة..
كنت سعيدة كثيراً طوال حياتي بتلك الفكرة التي صدرتها لي
أمي وكنت أؤمن بها وبصحتها بشدة..وهي أن قيمة الإنسان
في الحياة تتحدد بمقدار ما يقدمه للآخرين..بمقدار العطاء
الذي يمنحهم إياه..بمقدار قدرته على العمل والتفاني فيه
مازال إيماني بهذا ثابتا لم يتغير
لكن ما أقسى على الإنسان أن يرى أن قيمته لدى الآخرين
تتحدد فقط بمقدار ما يقدمه لهم من خدمات وإنه إذا حدث له
أي مكروه يجعله يخل بهذه الخدمات ولا يتمكن من القيام بها
أي أن يعجز عن أدائها تتغير النظرة له ويتغير التعامل
وتتلون النظرات بالاتهامات وكأنه ارتكب نوعا من
الخيانة وكأنه أخلى بهم
فيتضخم إحساسه بالعجز وقلة الحيلة
وما أصعبه من إحساس وما أكثر ما يسبب من ألم حتى ليتمنى
المرء أن يحدث أي شيء فقط ليتمكن من استرجاع قوته التي
فقدها ويتقي بها وهج الاتهام..ويرمي عباءة العجز
كنت أدعو أن استرد صحتي وقوتي..ليس لأسعد وأفرح
ليس لارتاح واستجم
وليس لأمرح وألعب
وإنما فقط لأتمكن من العودة للقيام بمسئولياتي وأعبائي
لأعود لتلك الحياة المليئة بالعمل والأعباء
المملة السقيمة نعم
التي ليس فيها مجال أو وقت للترويح..نعم
التي ينعدم فيها الأمل في أشياء كثيرة ..نعم
لأنني ببساطة ليس لي سواها..

تأجيل

لعل الفترة التي قضيتها في الفراش منحتني الفرصة لبعض
التأمل لحياتي..وطريقتي في التعامل مع كثير من الأمور..
فمن فراش مرضي كانت تظهر لي من بعيد مختبئة تحت
كومة من الأشياء علبة دواء يعلوها التراب
إنها علبة دواء الحديد الذي أحضرته لي أختي منذ فترة طويلة
عندما علمت بإصابتي بالأنيميا الحادة..العلبة التي لم افتحها
أبدا ولم أتناول منها قرصا واحدا لا اعرف لماذا..
كل يوم كنت أؤجلها للغد ..كانت تحدث أمور كثيرة وانشغل
في أشياء عدة وأنسى تناولها في الموعد
فأقوم بتأجيلها للغد..نعم في الغد سأبدأ في تناولها بانتظام
وسأواظب عليها..
ويأتي الغد وانشغل كالعادة أدور في نفس الطاحونة السقيمة
وأنسى ما وعدت به فأؤجلها للغد..وهكذا..
وهذا الغد لا يأتي أبداً
انظر للدواء الآن وأتذكر ما قاله الطبيب إن إصابتي القديمة
بالأنيميا وعدم علاجي منها كانت سبباً في تدهور حالتي
وعجز جسدي عن مقاومة الأنفلونزا..
المؤسف إن سياسة التأجيل القاتل تلك لا انتهجها فقط مع الدواء
يبدو إنها صارت منهجي في كل شيء..
صرت امتهن التأجيل ببراعة
وصارت الأشياء تتراكم فوق رأسي
تتكوم في جبل طويل ضخم مهدد بالانهيار في أي لحظة..
صرت أؤجل كل شيء..كل شيء يخصني..
أؤجل الأمل..أؤجل التغيير..
أؤجل تلك الخطوة التي احتاجها كثيراً
كل شيء..حتى يبدو إنني أؤجل الحياة نفسها..
لكني نسيت أو لعلي تناسيت أن الحياة لا تتأجل
الحياة تمضي سريعاً ولا تنتظر أحدا
فما الذي انتظره..وإلى متى التأجيل؟
أخشى إنه بالفعل أشياء كثيرة مما أجلتها فات أوانها منذ
وقت طويل دون أن أدرك ذلك..
أخشى إنني صرت مثل ذلك الشخص الذي استيقظ من نومه
ذات صباح ونظر لنفسه في المرآة ليفاجأ وقد اشتعل رأسه
شيباً وتجعد جلده وترهلت ملامحه في حين انه كان مازال
ينتظر أن يبدأ حياته..

الحمد لله

لم أتعافى بعد تماما..رغم مرور حوالي ثلاثة أسابيع
مازلت أعاني من أعراض المرض القاسية
لكني رغم ذلك احمد الله كثيرا وأنا أتذكر هؤلاء الذين اكتب
عنهم وانقل أخبارهم ..هؤلاء المرضى الذين يعيشون في خيام ..
هاربون من لهيب الحروب..محرومون من وجود طبيب يمنحهم
العلاج..من دواء يساعدهم على االشفاء..بل محرومون حتى
من كوب ماء نظيف يبل ريقهم قبل أن يلفظوا أنفاسهم الأخيرة..
هؤلاء هم الأحق بالرعاية والأولى بالاهتمام ولكن من يمد لهم
يد المساعدة..بل حتى من يتذكرهم
أتمنى لو يتذكرهم الأصحاء القادرون ليخففوا عنهم بعض الألم..
ففي هذا لو يدرون كل السعادة والفوز
وربنا يعافي الجميع ويشفي كل مريض

أخبار

رغم ابتعادي الطويل عن العمل وعن الأخبار
لكني في فترة مرضي تناهى إلى سمعي بعض الأخبار
وكان منها ما أثار اهتمامي وكان لبعضها وقع شديد..
ومنها ذلك الخبر عن الهجوم الذي شنه متمردو أنجولا
على بعثة فريق توجو.. وأظن إنه أثار حفيظة الكثيرين
الذين نددوا به وتعجبوا أن تضرب الحرب أيضا الرياضة..
وتساءلوا ما دخل الرياضيين بالحرب؟..
لكني في الحقيقة لم أتعجب كثيرا لسبب بسيط إن آلة الحرب
الملعونة عمياء ..تدور رحاها منذ وقت طويل جدا في كل
أنحاء العالم لا تفرق بين عسكري ومدني والجميع في
صمت مطبق..
والأولى أن نتساءل "وما دخل المدنيين جميعا بالحرب؟"
ما ذنب كل هؤلاء الأطفال والنساء والعجائز الذين تجزرهم
الحروب بلا رحمة دون أن يتحرك أحد
كل هؤلاء الآلاف من المدنيين الذين يموتون والذين
تتهدم منازلهم ويشردون ..يحتشدون في المخيمات
ويتبارى طرفا الحرب في حرمانهم من كل سبل الحياة من الماء
والطعام والغطاء والعالم كله يواجه ذلك بالصمت
فهل عندما تطول الحرب فريق كرة شهير يتعجب الناس
ويستنكرون وكأن قتل المدنيين الآخرين صار شيئا عاديا..

خبر آخر كان بالطبع الزلزال المدمر الذي اجتاح هايتي
لقد كان بحق مأساة شديدة عفاهم الله منها
لكنه أيضا كان الزلزال الذي أحرج الدول العظمى
فتلك الدول التي تتخذ قرارات الحرب بمنتهى السرعة
وتنظم جيوشها بمنتهى الدقة وترسلها بمنتهى النظام
عجزت عن أن تنظم إرسال المساعدات إلى المنكوبين من الزلزال
ويبدو ان هذه الدول صارت مبرمجة على الحروب فقط
أما السلم والمسائل الإنسانية فلم تعد مألوفة لديها

الأمر الآخر الذي سبب الحرج..بل أظنه كان فضيحة حقيقية
إن بمجرد إعلان أخبار الزلزال والقتلى فوجئت أن إسرائيل
قررت إرسال بعثة طبية ومساعدات لهايتي
ونحن طبعا عرب ومسلمون لا حس ولا خبر ..بصراحة أنا
شعرت بغيرة شديدة انهم هكذا سباقون في الخير لكني قلت
انهم يفعلون ذلك فقط لتحسين صورتهم أمام العالم وليظهروا
بمظهر الخيرين الكرماء
لكن يبدو إنني كنت ساذجة في تصوري وان هذا الأمر لم يعد
يعنيهم كثيرا أو لعله لاطمئنانهم إن لا أحد يستطيع بعد الآن
أن ينال من صورتهم مهما فعلوا
فقد انكشف السبب الحقيقي وراء تلك الطيبة والكرم
عندما اكتشف الناس في هايتي إن فريق الأطباء الإسرائيليين
إنما جاء بحثا عن قطع غيار..نعم قطع غيار بشرية
فقد ضبطوا وهم يسرقون أعضاء جثث القتلى التي تنتشر
في الشوارع
هل يمكن أن يتخيل هذا أحد
عموما هذا ليس بغريب على قتلة الأطفال
سافكي دماء الأبرياء..مغتصبي الأرض..