28 سبتمبر، 2012

غضب أعور

صوت قوي يرج الأركان..من شدته يهتز زجاج النوافذ.. أنظر حولي لا يظهر للصوت مصدر..أظنه في البداية الآذان..لكن العشاء قد أذن منذ وقت طويل..على الأغلب هو شيخ يتلو القرآن.رغم انني لا اتبين كلمة واحدة مما يقول من شدة الصوت.. كلما سرت كلما ازداد الصوت شدة حتى وصلت إلى الميدان فتبين ما كنت اخشاه وادركت انني لن اتمكن من النوم هذه الليلة.. صوان كبير ضخم..صوان عزاء يبدو من مظهره أنه تكلف آلاف الجنيهات..اقترب أكثر..  أنظر إلى الداخل لأجد الصوان الفاخر خالي تماما إلا من بعض الرجال الذين يعدون على الأصابع.. اتعجب ألأم يكن المتوفى سيفرح أكثر لو انفقتم تلك الأموال الطائلة صدقة على روحه!
واتعجب أكثر في نفس المكان من يومين فقط كان هناك صوان آخر ولكنه لفرح.. كانت الأصوات التي تصدر عنه والتي يسميها البعض وياللعجب "موسيقى" من شدتها تكاد تفتك بنوافذ البيوت المحيطة فتهشم زجاجها ..فما بالك بأذاننا..
ولكن هكذا نحن نحزن بصوت عالي ونفرح بصوت عالي ونغضب بصوت عالي.. والغضب لا يكون غضبا إلا بتحطيم الأشياء وسفك الدماء..غضب أعمى..
ثم .. ثم بعد ذلك لا شيء.. يهبط كل هذا على ما فيش.. ينفض المولد ويرحل الجميع.. ولا كأن فيه حاجة حصلت..
ولا يعرف أحد لماذا بدأ الأمر.. ولا يعرف أحد لماذا انتهى..
لماذا بدأت هوجة الفيلم المسيء للرسول صلى الله عليه وسلم .. ولماذا انتهت
هل هذا لأننا كما يقولون مجتمعات تغرق في الأمية والجهل؟  هل تحتاج الأخلاق إلى شهادات جامعية؟ هل تحتاج بديهيات الأمور أن تكتبها مائة مرة كواجب بعد المدرسة.. أن تحترم عهدك.. أن من يدخل بلدك وقد أعطيته الأمان لا يحق لك تحت أي ظرف أن تعتدي عليه .. إنه عندما يرتكب شخص خطأ ما لا يكون الرد ثأر جماعي ..أن يكون الرد على مقدار الخطأ.. أن تترفع عن الجاهلين
أم اننا لهذه الدرجة نشعر بالهزيمة داخلنا.. نشعر بهزيمة الغرب لنا ..فنحاول أن نحقق أي نصر حتى ولو كان زائفا..
يغضبنا سياسته الظالمة تجاهنا..يغضبنا عجزنا عن الرد عليها.. يغضبنا اننا مازلنا نمد إليه يد الحاجة.. التي نتمادى وننكرها في غضبنا وهي حقيقة.. مازلنا نمد ايدينا اليه ونقول لا نحتاج له .. واذا كنا لا نحتاج له فلن نحتاج لأن نقولها.. لكن الغضب الاعمى ينسينا ما يجب فعلا ان نفعله حتى لا نحتاج له..
ولكن هل غضبنا فعلا اعمى ..ام انه في الحقيقة أعور!
هناك اشياء كثيرة جدا تستحق الغضب منها لكننا لا نفعل شيء سوى اننا ندير لها ظهورنا..
آلاف المسلمين يذبحون منذ شهور في سوريا ومنذ سنوات في فلسطين والعراق ولم نرى ربع غضبة كهذه
ندعي اننا نؤمن بكل الرسل ونغضب لهم ... لكننا لم نحتج مرة ضد من يسيئون للسيد المسيح في الغرب  (وقد حدثت أكثر من واقعة من هذا النوع مؤخرا)
ندعي اننا نحترم الاديان ووسائل اعلامنا تمتلأ بمن يهاجمون المسيحيين واليهود والشيعة والصوفيين و.. و..
انا لا اميل كثيرا لنظرية المؤامرة في هذه الواقعة .. لكن فيلم رديء صنعه هواة لم يذاع في أي دار عرض واذيع منذ شهور .. يبدو أنه كان هناك من يقول "كيف مر هذا دون أن نستغله!" ولكن كيف نستجيب بهذه السهولة .. لنظهر اسوأ ما فينا .. أم انها حقيقتنا التي يبدو انني كنت انا أيضا احاول ألا أراها .. نحاول ان ننفيها فلا نفعل سوى تأكيدها.. لكن متى سنفيق .. وننظر لأنفسنا في المرآة
تسع عائلات مسيحية تطرد من منازلها في رفح.. هل سننتظر حتى يظهر من بينها منتج آخر لفيلم جديد.. ثم نتساءل في دهشة "لماذا؟"