غريب أمر هذا الميدان
سرعان ما يلبي النداء فيمتلأ عن آخره
ثم سرعان ما يصير فارغا
ثم سرعان ما يمتلأ من جديد
ثم سرعان ما يصير فارغا مرة أخرى
وما بين الامتلاء والفراغ
تضيع أحلام
وتنكسر أرواح...
ليس الانقسام غريبا علينا..كنا منقسمين قبل الثورة وإن لم يكن ظاهرا بوضوح..وجاءت الثورة وجعلت الانقسام جليا في أعيننا..لكن الانقسام في حد ذاته كان بسيطا..كنا منقسمين بين مؤيد ومعارض..مؤيد للنظام السابق واضح في موقفه.. ومعارض له واضح أيضا في موقفه..وظل الأمر كذلك أيام المجلس العسكري, فكان هناك مؤيد ومعارض..حتى أيام انتخابات الرئاسة انقسمنا بين مؤيدي شفيق ومؤيدي مرسي (وإن كان ظهر فريق المصدومين ولكن كان هذا أيضا واضحا)
فماذا حدث الآن.. زميلتي التي كانت أيام الثورة تؤيد بشدة مبارك والنظام السابق ويعتبرها الجميع من الفلول ودخلت معها في نقاشات حادة كادت أن تتحول إلى مشاجرة..نتفق الآن في آرائنا عن الاخوان..أوافقها على كثير مما تقول وصار الحوار بيننا هادئ كأن لم يكن بيننا أي مشاحنات قط! أما صديقتي التي كانت تساندني وأساندها دائما في أي حوار محتدم مع الفلول عن الثورة..صارت وكأنها انقلبت إلى عدوتي..لا أفهم موقفها الحالي المؤيد للأخوان واعتبار كل من يعاديهم فلول حتى أصحاب الثورة من الليبراليين والمعتدلين الذين كانت تدافع عنهم ضد الفلول صاروا في نظرها هم أنفسهم فلول لمجرد أنهم يعترضون على ما يفعله الاخوان بنا..
ماذا حدث لنا ..لم تعد الأمور واضحة نهائيا..صار كل منا ينظر للآخر في توجس..يحسب ألف حساب لكل كلمة سيقولها..ولا يستطيع أبدا أن يتوقع ماذا ستكون ردة فعل الذي يتحدث معه..الأمور تتلخبط والناس تتخبط..تضع يدها في يد ناس لا ترضى عنهم وعن مواقفهم كثيرا..وتدير ظهرها لمن كانوا يقفون معهم في نفس المركب بالأمس..يتعجب البعض من جبهة الانقاذ التي تضم أشكالا وألوانا ويستنكرون ذلك..لكني لا اتعجب..الحقيقة إنها صورة مصغرة تمثل بالفعل ما وصل إليه الشعب كله..صرنا نحن أشكالا وألوانا ..لم ننقسم إلى وحدات واضحة..وإنما إلى شظايا متناثرة.. نعيش حالة عجيبة من العبث..تتوج عامين من الهرتلة الشديدة..ينظر الواحد منا حوله ولا يفهم شيئا..يشعر أن هناك شيء ما خطأ..لكن الحقيقة إن كل شيء خطأ..كل ما يترتب على خطأ فهو خطأ..البدايات الخاطئة تؤدي إلى نهايات كارثية.. أنظر إلى الذين لم يؤيدوا الثورة منذ البداية وهم الآن يشتكون ويستنكرون وأتعجب بشدة..ماذا كان سيحدث لو وقف الجميع مع الثورة..ضد الظلم والفساد..الذين عارضوا الثورة وأيدوا مبارك رغم ما فعله بنا..ثم أيدوا المجلس العسكري رغم انه هو الذي ازاح مبارك..وانتخبوا الاخوان والاحزاب الدينية في الانتخابات البرلمانية بدعوى انهم منظمون وحيعدلوا البلد..ثم أيدوا شفيق بدعوى إنه مدني (رغم ان المدني ده كان كخه في الانتخابات البرلمانية بدعوى انه حيفتحها على البحري وحيوافق على زواج الشواذ) الذين فعلوا كل ذلك ويشتكون الآن ويتهمون الثورة انها وراء كل ما نحن فيه الآن ..ألا يرون انهم هم في الحقيقة السبب وراء ما نحن فيه..
حتى الآن نجح الاخوان فيما أرادوا وزادونا انقساما على انقسام..كانوا يقولون قوتهم في وحدتهم..والحقيقة انهم يقصدون قوتهم في فرقتنا..فهل نفهم..عادة يفرق الناس ويقسمهم ويجعلهم يتخبطون في مواقفهم إنهم لا يتمسكون بالثوابت ..هناك أمور ثابتة لا تتغير .. فالحق ثابت.. والعدل ثابت..والصدق ثابت.. المبادئ ثابتة لا تتبدل ولا تتجزأ.. وليس هناك أي مبرر لمخالفتها.. إذا تمسك الناس بتلك الثوابت لن تتخبط مواقفهم ولن ينقسموا..أما إذا ضاعت ثوابتهم فسيضيعون