24 ديسمبر، 2016

التابوت الزجاجي

منذ سنوات بعيدة .. عندما كنت صغيرة لم أدخل المدرسة بعد..كانت لي هواية غريبة بعض الشيء. بعكس الأطفال الذين يحبون في هذا السن مجلات الصغار المصورة.. كنت أنا أفضل تصفح ما كانت امي تطلق عليه "المجلات الصينية". لا اعرف إن كان هذا بالفعل اسمها الحقيقي..ولا أدري حتى الآن من كان يشتريها ولم..لكن كعادة الأطفال عندما يعجبهم شيئا صارت هذه المجلات من ممتلكاتي. . حتى أن كل من في البيت- أمي وأبي واخواتي - صاروا ينسبونها لي بسبب ما رأوه من شدة إعجابي بها وحرصي الشديد على المحافظة عليها.. صارت "مجلاتي الصينية". أذكر أني كنت اجلس لوقت طويل في تصفحها.. رغم أني لم أكن أجيد في ذلك الوقت القراءة.. حتى وإن كنت اجيدها. فالمجلات كانت كلها باللغة الصينية. لكن الصور هي ما كانت تجذبني. عندما أذكرها الآن أظن أنها كانت مجلات دعائية فقد كانت تمتلئ بصور الأماكن الطبيعية الساحرة في الصين ومبانيها وبيوتها ذات الطابع الخاص والتي كنت أحبها كثيرا. جعلتني تلك المجلات أحب الصين واحب التطلع في وجوه أهلها الذين كانوا يبدون في عيوني الصبية مثل الدمى الجميلة. لكنني ذات يوم وجدت في إحدى المجلات أمرا آثار دهشتي الشديدة.. فقد كانت المجلة تمتلئ بصور غريبة لم أفهمها فاستعنت بأمي لعلها تستطيع أن تشرح لي ما يدور في تلك الصور التي بدت لي كلغز.  لقد كان في الصور تابوت زجاجي وبداخله رجل مسجى تخيلت أنه نائم لكنني لم أعرف سبب تلك النومة الغريبة ولم أفهم لم كان الناس من حوله ينحنون أمامه بل وبعضهم يقترب بشدة من الأرض كأنه يسجد له. قالت لي أمي التي لم يبدو أن الصور قد أثارت دهشتها مثلي إن الرجل هذا هو الزعيم الصيني ماوتسي تونج وإنه ليس بنائم وإنما هو ميت.. فسألتها وقد زاد كلامها من حيرتي إن كان ميتا فلم يضعونه في ذلك التابوت ويعرضونه على هذا النحو المخيف.. فاجابتني إنهم على العكس إنما يفعلون ذلك لتكريمه وتبجيله وأكدت كلامها وهي تشير إلى تلك الصور التي تظهر الناس وهم ينحنون بشدة أمام التابوت.. لكن كلامها لم يغير مشاعري, ظلت الدهشة تتملكني بل زاد تفسيرها للصور من استغرابي.. وظللت أتساءل في نفسي عن غرابة هذا الوضع الذي كان بجانب الدهشة والخوف يثير في نفسي بعض الاشمئزاز.  بمرور السنوات عرفت ان ليس الصينيون وحدهم من يفعلون ذلك.. هناك أيضا من الشعوب من يضعون زعماءهم في توابيت زجاجية يسجدون أمامها حتى وهم أحياء.  بمرور السنوات زالت دهشتي وانقشع الخوف.. ولكن ظل يلازمني الاشمئزاز..

هناك تعليق واحد:

اخبار خفيفة يقول...

مقال غريب ولكن رائع