12 أغسطس، 2009

أجمل قصيدة













وطني ليس حقيبة وأنا لست مسافر








كانت عنوان جانبي لأحد المقالات بمجلتي المحبوبة "صباح الخير"..
قرأته وأنا صغيرة جداً..كان المقال بالطبع عن فلسطين والمهاجرين

لكن الغريب انهم لم يذكروا قائل هذه العبارة التي أعجبتني كثيراً
وراودني الاحساس إنها لشاعر لما فيها من موسيقى داخلية رائعة

ومعنى عميق مختزل في كلمات قليلة وهي طبيعة الشعر
الذي له أثر السحر في نفسي..
أعجبتني العبارة فدونتها في دفتري الصغير الذي كنت أحتفظ فيه

بالعبارات والأقوال التي تثير اعجابي..
وكنت أرددها دون أن أعرف صاحبها ..

بعد سنوات قليلة عرفته وأكتملت القصيدة في قلبي لا تفارقه

وجاورتها في العشق أخريات تهبه السعادة وتمنحه النسائم اللطيفة

لتخفف عنه قيظ الحياة المر ..
كنت أسير يوماً في الطريق عائدة من العمل ..

كان قلبي منهكاً من التفكير والملل وخيبات الأمل فكرت أن أسير
قليلا قبل أن أستقل المواصلات لأعود للمنزل, رغم أن الوقت

كان ظهراً وحر أغسطس يشوي الوجوه..
إلا أن السير يخفف قليلا من الألم..وصلت إلى ميدان الاسعاف

وقبل أن أصل للمترو وجدته يقف أمام المحطة يفصله عنها

حوض الزرع الصغير الذي ظهر منذ زمن ليس ببعيد يفترش

الرصيف الواسع بعدد هائل من الكتب القديمة وأخذ بصوته الجهوري

ينادي عليها: "فرصة الكتاب بجنيه واحد!"

ذهبت إليه بتلقائية ودون تفكير كما أفعل دائماً عندما أرى أي
فرشة كتب أو جرائد حتى لو لم اشتري شيئاً..لكن مجرد رؤية

الكتب تثير في البهجة وتمنحني شعورا بالراحة لا اعرف له سببا
كان أغلب ما يعرضه كتب دار الهلال القديمة ..
يبدو إنني كنت الوحيدة التي لبت نداءه وتوقفت لأفحص الكتب

توقف للحظات وهو ينظر إلي وعندما تأكد انني توقفت عن السير
فعلا واتطلع للكتب بدأ يحدثني ببعض الكلمات المشجعة ليحثني

على الشراء لم أكن أنصت له جيداً لكن يبدو لي إنه قال ساخرا إنه
استولى على مخزن لدار الهلال أو ورثه او شيء من هذا القبيل

لم أكن أركز كثيراً في عناوين الكتب فقد كانت الكتب مرصوصة

بشكل عشوائي فلم تكن أغلب عناوينها واضحة لكن كان يبعد عنها
قليلا مجموعة أخرى من الكتب عددها قليل جداً لكنها موضوعة

في عناية شديدة ونظام دققت فيها النظر فوجدت كتابا أدهشني

كان كتابا عنه.. ذلك الشاعر الرائع محمود درويش

بل ومؤلف الكتاب هو الكاتب العظيم رجاء النقاش ..كانت فرصة
لا تعوض هرولت إلى مكان الكتاب وألتقطه بحرص كأني أخاف

أن يكون قد لمحه أحد من قبلي فيحرمني منه
طلب مني البائع أربعة جنيهات ثمنا له لا أعرف هل لمح لهفتي

عليه لكني ناولتهم له دون نقاش فلو ادرك قيمته الحقيقية
لما باعه بمئات الجنيهات..
عدت إلى المنزل وقد تبدل حالي كأني طفلة صغيرة وجدت دميتها
الضائعة كان الغلاف يزينه صورته الجميلة وهو بعد شاب صغير
اتطلع إليه من حين لآخر كلما دخلت غرفتي ..كم كان رائعاً
مر يومان على هذه الواقعة كنت اجلس أمام التلفاز أجول بين

القنوات بلا اكتراث لا شيء يجذب الانتباه وفجأة وجدته على

شاشة القناة الثقافية حيث تستضيفه إحدى المذيعات في حوار..
يجلس كعادته هادئاً ووديعاً وكلماته الرائعة تتسلل إلى قلبك..
أخيراً يذاع برنامج جيد في هذا الجهاز.. ولكن ما هذا؟
تنويه أسفل الشاشة "برنامج عن محمود درويش بمناسبة رحيله"

ماذا يا آلهي لم اصدق اخذت أردد الكلمات في ذهول واتساءل

دون أن أحصل على اجابة شافية كيف يمكن للكلمات أن تكون

هكذا قاسية وحادة كالسكين تنغرس في القلب وتقطعه نصفين

وكم يكون الرحيل مدميا للفؤاد ومحطما للروح..

واتساءل هل كانت مصادفة أن اشتري ذلك الكتاب قبلها بيومين

أم إنها يد القدر الحانية ارسلته لي ليواسيني

ويخفف عني وطأة الحزن الثقيل..




والآن بعد مرور عام على رحيله ..أكثر ما يواسيني ويخفف قليلا

من الألم قصائده الرائعة وافتش فيها واتساءل ما هي أجمل قصيدة

سطرها .. وافتش وتزداد حيرتي ..كل قصيدة أروع من الأخرى..

لكني ادرك في النهاية إنه هو نفسه أجمل قصيدة..



أجمل قصيدة قرأتها في حياتي.

هناك تعليق واحد:

شجون القلب يقول...

بسم الله الرحمن الرحيم
{إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }التوبة40