10 أبريل، 2009

الساحر

وهاأنت في صورتك الجميلة
تحيا وتبعث كل صباح
شباباً من جديد



هل يمكنك أن تعرف شخصاً ما بعد وفاته..
تتعرف على شخصيته..تدنو منه وتشعر به قريب من قلبك..
بل وتحبه وتشتاق إليه..
وأنت تدرك تماما انه صار ينتمي إلى عالم آخر
لا يمكنه أن يلتقي أبدا بعالمك الآني..


إنه أمر بسيط يحدث كثيراً..
نحن نفعله تقريباً كل يوم
فمن منا لم يتعلق قلبه بكاتب أو شاعر أو فنان
رحل عن عالمنا مند زمن بعيد
نقترب منه في أعماله الخالدة ونشعر بقربه كأنه يعيش معنا..


أنا لم أكن أعرف من هو شادي عبد السلام
وعندما رحل كنت صغيرة ,كان مجرد خبر صغير جدا في الجريدة اليومية
لا أعرف لمادا شدني الخبر وجدبني الاسم
رغم انها كانت المرة الاولى التي اسمع به فيها..
و لا أعرف أيضاً ما سر دلك الحزن الدي اعتراني بعد قراءة الخبر
رغم انني كما قلت لا أعرفه و لم أرى أي من أعماله
لقد أصابتني الدهشة من نفسي وتعجبت كثيرا
ولعل دلك هو ما دفعني لأبحث وأفتش عن سر دلك الراحل الغامض
لأكتشف إنه في حقيقة الأمر لم يكن غامضاً
وإنما كان يرزح تحت ظلم التجاهل
داخل منظومة لا تصفق سوى للتفاهة ويعظم فيها شأن من لا شأن له


تعرفت على حقيقة شادي عبد السلام
من خلال الناقد الراحل العظيم أيضاً سامي السلاموني
الدي أفاض في الحديث عنه وعن رائعته "المومياء"
وأنا في الحقيقة ممتنة بشدة له فقد ساعدني على التعرف
على حقيقة هدا المخرج العظيم وعلى فيلمه الرائع
الدي أرى إنه أفضل فيلم مصري على الاطلاق


سامي السلاموني كان رائعا حقا في اسلوبه البسيط الشيق
الساخر أحيانا كثيرة لكن العميق في فهمه وتقييمه للأفلام
وقد هيئني لمشاهدة هدا الفيلم الساحر
ولا أنسى أبدا كلما شاهدت الفيلم أن اتدكره بالخير
ولا أنسى تلك العبارة الساخرة التي قالها عن هؤلاء الدين
يدعون انه فيلم صعب الفهم ولا يمكن استيعابه
فيرد عليهم ببساطة ان الفيلم يحتاج فقط للانتباه الجيد
"فلا يجلس أحدهم يشاهد الفيلم وهو يلعب في أصابع قدميه"
ثم يشتكي إنه لم يفهم شيئاً!!

رحم الله سامي السلاموني ورحم الله شادي عبد السلام
الدي أشعر أنه أهداني أنا شخصيا هدية عظيمة لا تقدر بمال..
فهدا الفيلم سحرني من أول لحظة ..من أول مشهد..
فكل مشهد فيه يعد لوحة فنية رائعة..تنبهر بها العيون
الكلمات لها نغم خاص.. عزف متواصل يسحر الآدان
حتى حركة الممثلين.. طريقة سيرهم.. نظراتهم..حديثهم..
كأنها طقوس مقدسة تبعث على الاعجاب والانبهار
لا يملك أمامها الانسان سوى أن يقف لها احتراما وتبجيلا..

من شدة انبهاري بالفيلم شاهدته لعشرات المرات
فقد قمت بتسجيله وكنت في فترة ما أشاهده تقريباً كل يوم ..
حتى حفظت معظم حواره عن ظهر قلب..

أعرف ان أغلب البنات إن لم يكن كلهن يكن لديهن فارس أحلام
يداعب خيالهن ويشتاقون للعثور عليه..
لكن لا أظن أن تلك الفكرة خطرت على بالي من قبل..
وعندما قرأت مؤخرا موضوعا عن دلك تعجب بشدة من نفسي
وقلت كيف حدث هدا لابد إني في داخل نفسي كان هناك من يمكن
أن اطلق عليه دلك اللقب وعندما فكرت مليا في الأمر وجدت أن
انسب شخص يمكن أن أطلق عليه هدا الوصف
هو دلك الشخص الساحر "ونيس"
دلك الشاب الاسمر الصغير الدي نضج فجأة
ووجد نفسه يحمل هموما تنوء بها الجبال
ووقع على كاهله القيام بمسئولية هي أصعب ما يقوم به الانسان
على مر العصور: مسئولية التغيير

كان عليه هو وحده القيام بالمبادرة الأولى لتغيير المجتمع
الدي يعيش فيه وما أصعبه من أمر بل لعله يبدو مستحيلا في أحيان كثيرة
عندما يستفحل الفساد وتكون له قوة من ورائه تحميه

لكنه لم يستسلم رغم الألم و التمزق الدي يعانيه
وتربص الاعداء الدين يفترض أنهم أقرب الناس إليه
وفي النهاية ينتصر ويتحقق التغيير

ومن أكثر المشاهد الموجعة في الفيلم هو مشهد النهاية
وهو يودع السفينة التي حملت الممياوات
فالمشهد يلخص كل مشاعر الألم التي عانى منها
والتي تعكس أن مبادرة التغيير ليست بالأمر السهل نهائياً..

هدا الفيلم الساحر حقاً يستحق المشاهدة لأكثر من مرة
ويستحق في رأي لقب أفضل فيلم أخرجته السينما المصرية


رحم الله شادي عبد السلام وأحمد مرعي وعبد العزيز فهمي
وتحية خالصة لكل من ساهم في انجاز هدا العمل الخالد

وتحية خاصة للساحرة "زينة" أو نادية لطفي
التي ابدعت في دقائق قليلة وعبرت أروع تعبير دون كلام..

هناك تعليقان (2):

soly88 يقول...

العزيزه هبه
اولا ستايل المدونه شيك
ثانيا شادى عبد السلام انسان صادق ويؤمن بما يفعله
وقد بدأ عمله فى السينما كمهندس ديكور متميز جدا
وفعلا فيلم المومياء هو من اعظم افلام السينما المصريه
لسبب بسيط انه يعتمد على الفكره وليس بطل الفيلم

وليتك عندما تشاهدين الفيلم مرة اخرى ان تركزى على
الملابس والأكسسوارات
فشادى هو من صمم ملابس فيلمى الناصر صلاح الدين و المماليك

Heba Faruq يقول...

عزيزي سولي88
اولا شكرا جزيلا على مجاملتك اللطيفة
ثانيا شادي عبد السلام ده حكاية كبيرة جدا جدا جدا ولو حبيت أتكلم عنه وأوفيه حقه فلن تكفيه مدونة كاملة بل مدونات
ولا يمكن أن ننسى رائعته الأخرى "الفلاح الفصيح" وأيضاً "جيوش الشمس"..
كما ان تصميماته الرائعة ولمساته الساحرة تتألق في العديد من الأفلام مثل رابعة العدوية وألمظ وعبده الحامولي وأمير الدهاء وعنترة بن شداد و واسلاماه الدي عمل فيه أيضا كمساعد مخرج
بل وشارك أيضا في أفلام عالمية مثل الفيلم الإيطالي الحضارة والفيلم الأمريكي كليوباترا
وكم كنت أتمنى لو خرج فيلم اخناتون للنور لكن تبقى لوحاته الرائعة لتشهد على عظمة هدا الرجل الدي لم ينل التقدير الكافي