فقد رحل وأنا بعد صغيرة..
رحل ولم أدرك لذلك سبباً
ولم أصدق برحيله
لم يستطع عقلي الصغير أن يدرك حقيقة رحيله..
وحاول أن يتغلب على الصدمة والألم بتجنب تلك الحقيقة واستبعادها
ظللت لسنوات أتجنب الحديث عن رحيله
لم يكن لساني يطاوعني على التفوه بهذه الكلمة
أبي متوفي
حتى ظن بعض الذين لا يعرفوني شخصياً إنه لم يرحل
وكان الاندهاش يغالبهم عندما يكتشفون الحقيقة..
ظن بعض الجاهلين إنني أشعربالخجل من ذلك..
لكن في الحقيقة يبدو إنها طريقتي للتعامل مع الألم
فكنت أشعر بانه بمجرد ذكر اسمه على لساني لن اتحمل قسوة الألم
سأنهار تماماً ولن اتمكن من إيقاف فيضان دموعي
وسأفقد السيطرة على نفسي تماماً
فكنت أتجنب حدوث ذلك بالصمت وتجنب الحديث عنه..
لكن عندما أكون وحدي كنت أطلق العنان للمشاعري
ليال طويلة طويلة قضيتها أبكي بكاء مراً والألم يعتصرني
ليال طويلة مرت امتزج فيها الألم والغضب والحنين
لعل الغضب خف قليلاً خاصة بعد قراءتي لرواية "السقا مات"
تلك الرواية الرائعةالتي تركت أثراً شديداً في نفسي
وجعلتني أدرك حقاً كيف يمكن للأدب أن يؤثر بشدة في
حياة البشر العاديين ونظرتهم للأمور
خف الغضب واستمر الالم والحنين
مرت سنوات طويلة ..
واليوم يمر خمسة وعشرون عاماًعلى رحيله
خمسة وعشرون عاماً..
والحزن هو نفسه..
والألم هو نفسه..
لم يقل بل لعله يزداد
والحنين يشتد.. وجراب صبري يكاد ينفد..
ولعل رحيل أمي أيضاً زاد الأمر سوءاً فزادت جرعة الألم
وأشعر كأني أعيش كابوس ثقيل ..فما زلت لا أصدق رحيلهما
وكأني ساستيقظ يوماً من ذلك الكابوس المر..واجدهما بجواري
وتمر علي لحظات أجدني لا أستطيع أن اتحمل البعاد أكثر من ذلك
لكن ليس أمامي سوى الدعاء والأمل
أن يغمرنا الله بعطفه ورضاه وأن يشملنا برحمته
ويجمعنا يوماً على خير إنشاء الله..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق