07 يناير، 2011

خنجر في القلب

عندما يجتاحني الحنين وأغرق في دوامته في
لحظة ما لبيت كنت أسكنه منذ سنوات بعيدة
عندما كنت طفلة صغيرة لم تدرك بعد الأمور
على حقيقتها ..لا يمكن أن أستعيد ذلك المكان
وتتوالى في عيني أدق تفاصيله المحفورة في
ذاكرتي دون أن أجد صورتهم مازالت هناك كما هي
رغم مرور الزمن ..يجلسون في هدوء شديد
بوجوههم شديدة السمار وأجسادهم النحيلة
على المصطبة الممتدة في مدخل البيت
لم أكن اتعجب من جلوسهم شبه الدائم في المساء

فقد كانوا أصدقاء حارس العمارة (عم محمد)
لكن كان أشد ما يدهشني إنه رغم ثيابهم الرثة
ومظهرهم شديد التواضع كان كل منهم يحمل بين
يديه كتاباً من الحجم الكبير ذو مئات الصفحات
وكان من الواضح إنه باللغة الانجليزية
وكان يبدو كتابا دينيا..كنت كطفلة صغيرة مازالت
تتعثر في تعلم اللغة الاجنبية وفي بلد يتحدث فيه
الجميع العربية أو هكذا كانت تظن..اتعجب كثيراً
كيف يتأتى لهؤلاء قراءة تلك الكتب بادية الصعوبة
بحروفها متناهية الصغر وصفحاتها الغزيرة..
وظلت صورتهم علامة استفهام لم تبرح ذهني
سؤال لم أجد له اجابة حتى بعد عودتي إلى مصر
ومرور كل تلك السنوات..
لعلي الآن فقط وبعد كل هذا الوقت بدأت أفهم..

والأحداث التي تتلاحق هذه الأيام صارت مفتاحاً
لفك طلاسم ذلك المشهد الذي أثار حيرتي..
فهمت والأخبار تتلاحق عن الاستفتاء المرتقب
والانفصال الوشيك بين شمال وجنوب السودان
وتصريحات الجميع التي تؤكد رغبة أهل الجنوب
الأكيدة وتصميمهم على الانفصال ..
الرغبة التي قد تبدو للبعض مبهمة ولكن بالنسبة لي
فسرها ذلك المشهد القديم لرجال من الجنوب:
المظهر الرث الذي يعكس فقرا شديدا والعقل الذي
يتوهج بنور التعليم الأجنبي والعيون التي تلمع
بوهج الثورة والحماس
الأمور كلها الآن تتجه نحو التسليم بالأمر الواقع

ومن العبث أن نسأل لماذا حدث ذلك وكيف حدث
قد يقول قائل إنها المصالح ..البترول..التدخل الأجنبي
..
المؤامرة
لكن لانستطيع أن ننكر أن الظلم والتجاهل والاهمال

الذي تعرض له الجنوبيون له شق كبيرفي المأساة
وإذا كان هناك تدخل فأين كان الشمال وماذا فعل ؟
ومن العبث أن نسأل وأين كنا نحن وأين كان العرب

وماذا فعلنا لنمنع انشقاق جزء عزيز من الوطن العربي
رغم أن الأمر صار واقعاً مازالت لا استطيع تصديقه
والسكين التي ستقسم ذلك البلد الحبيب ستنغرس في قلبي
كان يجب أن اتحدث عن الأمر بشكل موضوعي
إنها مسألة سياسية لا مكان فيها للمشاعر
لكني حقا لا أستطيع أن أمنع شعوري بأنها

بالنسبة لي مسألة شخصية
وكنت فقط اتمنى لو تحدث معجزة ما تمنع تلك الكارثة
رغم إني أعرف جيداً إستحالة ذلك..

ومازال يرن في أذني من الماضي صوت المطرب
السوداني سيد خليفة وهو ينشد
3 مارس عيد..عيد وحدة السودان
مافيش شمالي مافيش جنوبي
كلنا اخوان!

هناك تعليقان (2):

Ramy يقول...

أخف من هذه السكين

على بلدى

):

ربنا يحمينا

Heba Faruq يقول...

عزيزي Ramy

ليس ببعيد عن أي دولة عربية أخرى مادام من يحيكون المؤمرات يعملون بجد واجتهاد وليتنا نحن نفوت عليهم الفرصة
وربنا يستر

اسعدتني زيارتك كثيرا
ودمت في خير