27 مارس، 2009

جحيم حقيقي

كنت أجلس أمام الكمبيوتر بالأمس لإعداد النشرة..
يوم عادي..ونشرة عادية..ويأتي خبر..خبر أيضاً عادي..
لعل أكثرنا أعتاد عليه من تكراره كل يوم..
"مذبحة في شمال بغداد: انفجار سيارة مفخخة في أحد الأحياء..
القتلى 14 والجرحى 30"
خبر قصير جدا..فلننتظر قليلا لعلهم يوردون تفاصيل أكثر..
"يرتفع عدد القتلى إلى 16 والجرحى 35" لكن مازالت تنقص التفاصيل..
تزداد حدة الصداع الذي صار يصاحبني طوال الوقت..
ولكن في تلك اللحظة أشعر بحاجتي إلى مسكن قوي..
فحلقي يجف بشدة والدوار يصيبني..
أنهض لاشتري زجاجة ماء لتناول الدواء..
أعود لأجلس أمام الكمبيوتر..تأتي التفاصيل التي كنت أنتظرها
وليتها لم تأتي...
"أرتفع عدد القتلى إلى 20 والجرحى إلى 40"
كم تؤرقني هذه الفكرة..إنني أجلس هناك في مقعدي ساكنة..
بينما هناك أرواح تحصد..ومزيد من الدماء تسال..
وأنا أقرأ تفاصيل الخبر..تسمرت عيني على تلك العبارة..
سكنت جوارحي ولم أتمكن من ابتلاع ريقي..
نظرت إلى زجاجة الماء التي أمامي..والمقعد المريح الذي
أجلس عليه والمكتب الهادئ نوعا ما الذي يحيط بي..
واجتاحني شعور مميت بالذنب ..
بذلت مجهودا كبيرا حتى أحبس دموعي..

"جحيم حقيقي"

كانت هذه العبارة التي وصف بها الشهود ما حدث
ويكفينا لنتحقق من ذلك أن نعرف أن الانفجار حدث في سوق مزدحم
في بغداد..ومن له أن يموت في السوق أكثر من النساء والأطفال!
أم حاتم- أحد الشهود الفارين من الجحيم- أخذت تروي ما رأت
وما كان يحيط بها من جثث الأمهات والأطفال المتفحمة
والعربات المشتعلة..
النيران في كل مكان تلتهم كل شيء..
هذا ما رأته أم حاتم من داخل الجحيم..
لكني أنا من مكتبي رأيت أشياء أخرى تحترق في ذلك الجحيم..
رأيت البراءة والعدل والكرامة تشتعل فيها النيران وتداس بالأقدام...



وبالحديث عن العراق هل هناك أحد مازال يذكر منتظر الزيدي!
أم إنه تلاشي في غياهب الذكريات كغيره من الضحايا..
لكني لا أظن أن التاريخ سينسى أبدا عباراته التاريخية
التي كان يدافع بها عن نفسه رغم عدم حاجته لذلك..
تلك العبارات التي هي أفضل ما يلخص الوضع تماما..
فتأملوا ما قاله خلال محاكمته من عبارات مدمية للقلب..
قال الزيدي لاحظت بوش يتحدث ويبتسم وينظر إلي رئيس الوزراء
نوري المالكي بابتسامة جليدية بلا دم وبلا روح وأخذ يمزح
مع المالكي, ويقول إنه سوف يتناول العشاء معه بعد المؤتمر
وأضاف: في تلك اللحظة اسودت الدنيا في عيني وكنت اشعر أن
دماء الأبرياء تسير من تحت اقدامي وهو يبتسم تلك الابتسامة
قادما ليودع العراق في العشاء الأخير بعد أكثر من مليون شهيد
والخراب الاقتصادي والاجتماعي في البلاد.
وأضاف في تلك اللحظة شعرت أن هذا الشخص هو القاتل الأول
لشعبي فانفعلت ورشقته بالحذاء.
وأضاف أن بوش تحدث عن انتصاراته ومنجزاته في العراق
وتساءل: أي منجزات يتحدث عنها فقد قتل اكثر من مليون شخص
وانتهكت حرمة المساجد وقتل من فيها واغتصبت النساء
فضلا عن إذلال العراقيين في كل يوم وساعة,
فهناك أكثر من خمسة ملايين يتيم عراقي ومليون أرملة وثكلي,
بسبب الاحتلال !!


وفي الحقيقة لا أجد تعليق أفضل على ذلك من أبيات الشاعر نزار قباني

ما للعروبة تبدو مثل أرملة
أليس في كتب التاريخ أفراح

ليست هناك تعليقات: