عندما كنت صغيرة وكان صوت المذياع ينساب في بيتنا في الصباح, أظن أنه كان هناك برنامج يسمى "أخبار خفيفة" كان يذاع فيه الطرائف والأخبار الطريفة ...
أتذكر هذا التعبير كثيراً خاصة عندما يتوجب علي أن أجلس أمام الكمبيوتر لأقوم بعملي في تحرير الأخبار ولكنه ذلك النوع من الأخبار المعبقة برائحة الدماء و الظلم,الظلم الشديد الذي يرزح تحته الانسان في كل مكان على سطح الأرض..
فالفلسطيني والعراقي والأفريقي وكل من ينتمي للأقليات في العالم إنما هو في النهاية إنسان يعاني من ظلم اخيه الإنسان.. فالظالم والمظلوم في النهاية هم من جنس واحد... من قال إن ذلك أفضل وذلك أسوأ..من قال إن ذلك أقوى وذلك اضعف..من قال إن ذلك له حق الحياة وذلك يحرم منه!!...
الذي يغفل عنه الكثيرون (خاصة فريق الظالمين) هو إننا جميعاً في سلة واحدة..
والحياة على تلك الأرض لا أظن إنها تستحق كل ذلك ...فما أخذته اليوم , لا يمكن لأحد على وجه الأرض ضمانه لك غداً.. بل لا يمكن لأحد ضمانك أنت له..
فيحضرني هذا التعبير بشدة خاصة وأنا أقوم بتلك النوعية من الأخبار التي مازالت تصدمني رغم كثرتها ورغم كثرة تعرضي لها
مازالت تمزقني من الداخل..فأنا لاأحرر الخبر فقط وإنما أقوم بترجمته وتلك الترجمة تتطلب مني أن أغوص داخل الخبر لاستوعبه وهو ما يجعلني أعيش الحدث كأني داخله ..كأني مع هؤلاء الأطفال الصغار الذين لا ذنب لهم ولا يجدون منفذاً للفرار من مصير قرره لهم الكبار ذوو الأيادي الملطخة بالدماءوقلوب سوداء مظلمة لا تعرف النور..
كأني هناك داخل ذلك المنزل المتواضع الذي دكته القنابل الغاشمة والصغار يصرخون والأمهات قلوبهن تنخلع...
أو لعلي أجري وأهرول في تلك المطاردة بين رجل منهك القوى أعزل من السلاح ومن ورائه الكلاب الوحشية ورجال مدججين بكل أنواع السلاح...
أو لعلي واحدة من هؤلاء الذين يفرون على الحدود من وطأة المعارك ويحاولون الجوء إلى مكان آمن ليكتشفوا في النهاية إنما هو ساحة أخرى لمعارك جديدة..
والغوص في التفاصيل التي عادة لا وقت لذكرها لضيق وقت النشرة فلا يعرفها أحد يكون أشد إيلاماً..
أظن أن أكثر الأخبار التي أوجعتني بشدة ولاأتمكن من من نسيانه أبداً ..خبر تلك الطفلة الفلسطينية الصغيرة التي كانت عائدة من مدرستها في هدوء ووداعة وفجأة انطلقت الرصاصات العمياء من فوهة سلاح أحد الجنود ااسرائيليين الباحثين ع مجرد تسلية وتضييع وقت..فمزقت الرصاصات جسدها الصغير الطاهر وجعلته "كالغربال" نعم هذا هو التعبير المستخدم ...تخيلوا "تغربل جسدها من الرصاص" هكذا كانت الترجمة للتعبير المستخدم بكل بساطة... كان علي تحرير الخبر وحذف التفصيلات غير المهمة لكني لم أرى أي شيء غير مهم في ماساة تلك الصغيرة البريئة..لقد اختنقت بشدة ولم أمكن من السيطرة على نفسي فانسابت الدموع من عيني وشعرت اني اريد أن أصرخ بشدة وأملأ الكون صراخاً..لكن ما الفائدة فصراخ العالم كله لن يستطيع أن يعيد تلك البريئة للحياة أو يعيد كل هؤلاء الأبرياء الذين مزقهم الظلم....
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق